في زمنٍ كانت فيه بابل من أغنى المدن وأكثرها ازدهارًا، عاش رجل يُدعى أركاد، بدأ حياته فقيرًا بسيطًا، لكنه أصبح في النهاية أغنى رجل في بابل. لم يكن ما فعله سحرًا أو ضربة حظ، بل اعتمد على مبادئ مالية واضحة وبسيطة، أثبتت نجاحها على مرّ الزمن. في هذا المقال، نستعرض معًا أهم القوانين التي تعلمها أركاد وطبّقها، لتكتشف كيف يمكنك أنت أيضًا أن تضع قدمك على أول طريق الثراء.
خطوات الثراء من أشهر رجال المال في بابل: تعلّم كيف تبني ثروتك من الصفر
إن قوانين جني المال هي قوانين عالمية لا تتغير، شأنها شأن قانون الجاذبية الأرضية؛ فهي ثابتة في كل زمان ومكان. فإذا كنت مهتمًا بالانتقال من مرحلة الكفاف أو الديون إلى عالم الثراء والاستقرار المالي، فإن هذه القصة الشهيرة "أغنى رجل في بابل" تقدّم لك طريقًا واضحًا ومجربًا. فهي تحتوي على دروس ثمينة لكل من يطمح إلى تحسين أوضاعه المالية، وكسب المال بذكاء، والتخلص من أعباء الديون، والوصول إلى مرحلة بناء ثروة حقيقية تدوم على المدى الطويل.
![]() |
كيف تصبح غنيًا؟ تعلّم قوانين الثراء من أغنى رجل في بابل |
تعود أحداث هذه القصة إلى مدينة بابل في العصور القديمة. وما يميزها أن المبادئ التي تتناولها في ما يخص التخلص من الديون وتكوين الثروة لا تزال صالحة وفعّالة حتى في عصرنا الراهن. كان بانصر، صانع المركبات في بابل، يجلس أمام ورشته الصغيرة حين جاءه صديقه كوبي يطلب منه أن يُقرضه درهمين، لكن بانصر أخبره بأنه لا يملك المال.
- أوضح له بانصر أنه، بعد كل يوم عمل، ينفق كل ما يجنيه من المال، وأنه كثيرًا ما يُفكر في أطفاله الذين قد يلاقون المصير نفسه عندما يكبرون، ويُضطرون إلى القبول بالقليل، على الرغم من أنهم يعيشون في مدينة بابل، التي تُعد من أغنى مدن العالم آنذاك.
- وفي تلك اللحظة، كانت مركبات الأغنياء والتجار تمرّ من أمامهم، فقال كوبي متسائلًا: "ألا يمكننا أن نكتشف ما الذي فعله هؤلاء حتى أصبحوا أثرياء؟ لِمَ لا نصبح مثلهم؟" فأجابه بانصر: "ربما لديهم أسرار لا نعرفها نحن."
- عندها تذكّر كوبي صديقهما القديم أركاد، الذي أصبح أغنى رجل في بابل، حتى قيل إن ملك بابل نفسه طلب مساعدته المالية.
نصيحة أركاد | الحظ لا يصنع الثراء وحده بل اغتنام الفرص هو السر
كان أركاد رجلاً كريمًا، ينفق بسخاء على أعمال الخير، ورغم ذلك كانت ثروته تتزايد بسرعة، بمعدل يفوق ما ينفقه. وهنا قرر بانصر وكوبي أن يذهبا للقائه، ليطلبا منه النصيحة في كيفية الحصول على مصدر مالي دائم لا ينفد، ويتعلما منه أسرار تكوين الثروة. وعندما التقيا بأركاد، قال له بانصر: "لقد كنا في شبابنا سواسية، ولم تكن حالك أفضل من حالنا اليوم، لكن يبدو أن الحظ قد اختارك." فأجابه أركاد بهدوء: "الحظ قد يأتي للجميع، لكن قليلين فقط من يعرفون كيف يغتنمونه."
- ثم قال أركاد: "العلم نوعان: الأول هو ما نتعلمه ونعرفه، والنوع الآخر هو الممارسة، حيث نكتشف من خلالها ما لا نعرفه. وأنا لدي تجربتي الخاصة، ولن أبخل في نقلها لكم يا أصدقائي."
- تابع أركاد قائلاً: "كنت مثلكم في السابق، أعمل في وظيفتي كناسخ للمخطوطات، ولكن لم أتمكن من ادخار أي شيء، فقد كان الطعام والملابس يستنفذان كل ما أجنيه من المال. ومع ذلك، لم أفقد إرادتي ولم أستسلم."
أول خطوة نحو الثراء | كيف بدأت رحلة أركاد بنصيحة بسيطة من التاجر الجمش
وفي ذات يوم، جاءني التاجر الثري "الجمش" وطلب مني أن أنتهي من نسخ نص طويل خلال يومين. لكنني لم أتمكن من إنجازه في الوقت المحدد. فعرضت على "الجمش" أن أعمل طوال الليل لأكمل النسخ، على أن أسلمه النص في فجر اليوم التالي، مقابل أن يعطيني نصيحة حول كيفية أن أصبح غنيًا مثله. وافق "الجمش" على العرض وقال لي: "أنت رجل طموح."
- وبالفعل، أنهيت له النص كما طلب، ثم طلبت منه أن يفي بوعده. فقال لي: "الثراء يتمثل في عادة واحدة، وهي أن يحتفظ الشخص بجزء من إيراداته، بحيث لا يقل عن عشر هذه الإيرادات. وأول قطعة نقدية تدخرها هي البذرة التي ستنمو منها شجرة الثروة."
- في البداية، اعتقدت أنه يستهزئ بي، فقلت له: "هل هذا الجزء البسيط من الإيرادات سيجعلني غنيًا؟" فأجابني قائلاً: "هذا المبدأ يمكنه تحويل عقل الرجل البسيط إلى عقل تاجر."
- بدأت تطبيق ما قاله، واكتشفت بعد فترة أنني قادر على العيش من دون هذا الجزء من إيرادتي. ومع مرور الوقت، تمكنت من تكوين مبلغ لا بأس به في السنة الأولى.
- وعندما التقيت به في العام التالي، سألني: "ماذا فعلت بالمال؟" فأجبته: "لقد أعطيت المال لزامور، تاجر القرميد الذي يسافر إلى بلاد الفينيقيين البعيدة، ليشتري لي بعض المجوهرات من هناك، وعندما يعود سأبيعها بسعر أعلى."
- فقال لي مستغربًا: "كيف وثقت به وبخبرته؟ وماذا يعرف صانع القرميد عن المجوهرات؟ لقد اقتلعت شجرة ثروتك من جذورها." ثم أضاف: "لكن، يا بني، يمكنك أن تزرع شجرة ثانية."
نصائح أركاد للاستثمار الناجح | تجنب الغش وابحث عن المتخصصين
وفي المرة الثانية، قال لي: "إذا أردت أن تتاجر بالمجوهرات، فاذهب إلى تاجر المجوهرات." وبالفعل، تحقق ما قاله تمامًا، فقد تم غش "زامور" في بلاد الفينيقيين، وأعطوه قطعًا من الزجاج عديمة القيمة بدلاً من المجوهرات. "بدأت من جديد في ادخار عشر ما أكسبه، وهذه المرة قررت أن أعطي مدخراتي لتاجر صانع التروس ليشتري البرونز، على أن يعطيني حصتي من الأرباح كل أربعة أشهر."
- وعندما عاد "الجمش" بعد عام، سألني: "ماذا تعلمت؟" فأخبرته أنني تعلمت كيفية الادخار وأخذ النصيحة من أهل الاختصاص. لكن هذه المرة، سألني: "ماذا ستفعل بالأرباح؟" فأجبته: "سأشتري بها الكثير من العسل وما لذ وطاب، وأثوابًا جميلة."
- فقال لي "الجمش" هذه المرة: "لقد أكلت ثمار مدخراتك، وهذه الثمار لن تنتج ثمارًا أخرى. من الأفضل أن تعمل على صنع المزيد من الثروة باستثمار أرباحك. وبعد ذلك، استمتع بما تحققه دون أن تندم على ذلك."
- ثم رحل "الجمش" ولم ألتقه مرة أخرى إلا بعد عامين. حينها قال لي: "ألم تحقق بعد الثروة التي حلمت بها يا أركاد؟" فاجبته: "حققت جزءًا منها، وهي تكسب المزيد، وأرباحها تجلب المزيد. تعلمت أن أستشير أهل الاختصاص فقط."
- فقال لي "الجمش": "لقد تعلمت الدرس يا أركاد. تعلمت القوانين الثلاثة للمال: أن تعيش بنفقات أقل مما تكسب، أن تطلب النصيحة من المختصين، وأن تجعل أرباحك تجلب لك المزيد من الأرباح."
ثم تابع قائلاً: "أما أنا يا أركاد، فقد أصبحت رجلاً مسنًا، ولذلك أقدم لك عرضًا أن تعتني بالأراضي الخاصة بي، وبالمقابل أشركك في ممتلكاتي." وبالفعل، اعتنيت بالأراضي وتمكنت من رفع قيمة ممتلكاته أضعافًا بما تعلمته وبإصرار. وعندما مات "الجمش"، أصبح لي نصيب كبير في ممتلكاته كما حددها.
وعندما أنهى أركاد كلامه، قال "بانسر": "أنت يا أركاد كنت محظوظًا فقط، لأن "الجمش" جعل منك وارثًا." لكن أركاد رد قائلاً: "لم يكن الأمر مجرد حظ، كان لدي الرغبة، وقد برهنت على ذلك بإصراري لمدة أربع سنوات، حيث كنت أدخر عشر إيراداتي وأستعد للثروة."
- "والفرص تأتي للجميع، لكنّها تضيع إذا لم يكن الشخص مستعدًا لاستغلالها." هنا، سأل "كوبي" أركاد: "وبماذا تنصحنا لنكون أغنياء ونحن لم نعد شبابًا؟"
- فأجاب أركاد: "أنصحكم بحكمة "الجمش". ليقل كل منكم لنفسه: ساحتفظ بجزء من إيرادتي، ونظّموا نفقاتكم الأخرى. اعملوا على استثمار ثرواتكم بحذر بالغ حتى لا تفقدوها."
- ثم أضاف: "العائد البسيط المضمون أفضل بكثير من المخاطرة. اجعلوا ثرواتكم تجلب لكم الأرباح، والأرباح تجلب لكم المزيد. وتشاوروا مع الرجال الحكماء واطلبوا النصيحة لهذا الغرض."
تغيّر أحوال الناس في بابل واستشارة الملك أركاد
في تلك الفترة، كان ملك بابل منشغلًا بإعمار المدينة، حيث أُطلقت مشاريع ضخمة لبناء القصور والمعابد، وكان غالبية سكان بابل يعملون في هذه المشاريع ويكسبون أموالًا وفيرة. غير أن الناس اعتادوا إنفاق ما يجنونه بسرعة على الطعام والسلع، دون تفكير في الادخار أو المستقبل.
- ولكن مع انتهاء تلك المشاريع، تغيّرت الأوضاع جذريًا؛ فقد توقفت مصادر دخل العمال، وانخفض إنفاقهم، ما أدى إلى ركود اقتصادي أثر سلبًا على التجار أيضًا، وبدأ الفقر ينتشر في أرجاء بابل.
- عندها طلب الملك من وزرائه أن يجدوا له شخصًا يستطيع تعليم شعب بابل كيفية إدارة أموالهم بحكمة وتعلّم المبادئ الصحيحة للتعامل مع المال، فاقترحوا عليه أن يستعين بأركاد، أغنى رجل في بابل.
- وعندما استدعاه الملك، قبل أركاد المهمة بكل ترحيب، ورأى فيها فرصة لرد الجميل لوطنه. فتم جمع مئة رجل من سكان بابل ليتعلموا منه مبادئ إدارة المال، وكيف يمكن للمرء أن ينتقل من الجيوب الخاوية إلى دروب الثراء، بالاعتماد على الحكمة والممارسة والانضباط المالي.
7 قواعد مالية تعلمها أركاد ليصبح أغنى رجل في بابل
وكان أركاد يجتمع بالرجال كل أسبوع ليعلّمهم مبدأ من المبادئ السبعة التي طبّقها في حياته، والتي كانت السبب في تحوّله من شاب فقير لا يملك شيئًا إلى أغنى رجل في بابل. وقد حرص في كل لقاء على تبسيط المفاهيم وتقديم أمثلة واقعية من حياته، ليُظهر لهم أن الثراء ليس حلمًا بعيدًا، بل نتيجة عادات مالية صحيحة تُمارَس بانتظام ووعي.
المبدأ الأول: ملء المحافظ الخاوية
كل عمل تقومون به وتجنون منه دخلاً، احتفظوا بعُشر هذا الدخل قبل أن تنفقوا الباقي على الالتزامات والاحتياجات الأساسية. يجب أن تصبح هذه العادة أسلوب حياة دائم، فمع مرور الوقت ستتراكم لديكم مبالغ مالية يمكن استثمارها. وهذه هي أول خطوة على طريق الثراء.
المبدأ الثاني: التحكم بالنفقات
يجب التمييز بوضوح بين الإنفاق على الضروريات الحياتية والكماليات التي لا تنتهي، فالرغبات دائمًا أكثر من الموارد. النفقات الأساسية لا يجب أن تتجاوز ما يتبقى من المال بعد خصم العُشر، فمهما كان الدخل كبيرًا، إذا لم يتم ضبط المصروفات، فلن يبقى شيء للادخار. التنظيم هنا هو مفتاح الحفاظ على ما تدّخرونه، لأنه بدون إدارة واعية للمال، يتحول كل دخل إلى مصروف لا يُبقي خلفه أي أثر، بينما التخطيط والالتزام يضعان الأساس للثراء المستقبلي.
المبدأ الثالث: استثمار المدخرات
ادّخروا أولاً جزءًا ثابتًا من دخلكم، ثم استثمروا مدخراتكم في مشاريع تساهم في تنمية هذه الأموال وتحقيق عوائد مستمرة على المدى الطويل. لكن احرصوا كل الحرص على أن يتم هذا الاستثمار بعد دراسة وافية ومعرفة دقيقة بكل التفاصيل المتعلقة بالمشروع، وتقييم المخاطر المحتملة، مع ضرورة استشارة أهل الخبرة والاختصاص الذين يمكنهم توجيهكم وتقديم النصائح الصائبة. فالاستثمار الذكي لا يعتمد على الحظ، بل على المعرفة، والاختيار المدروس، والتخطيط السليم.
المبدأ الرابع: حماية الثروة من الضياع
تعلموا تقييم المخاطر لأي مشروع تفكرون بالاستثمار فيه. فأركاد كان يؤمن أن أول خطوة في الاستثمار الناجح هي حماية رأس المال. لا تنخدعوا بالأرباح الكبيرة إن كان هناك احتمال لخسارة كل المال. وتأكدوا من أمانة وخبرة الأشخاص الذين تشاركونهم برأس المال. وقاعدة أساسية يكررها أركاد دائمًا: "الدخل البسيط المستمر، أفضل من الدخل الكبير المصحوب بخطر خسارة رأس المال."
المبدأ الخامس: استثمار المال في الأصول
نصح أركاد بالاستثمار في الأصول الثابتة، مثل الأراضي، لأنها من أكثر وسائل الادخار والاستثمار أمانًا واستقرارًا على المدى الطويل. فمع مرور الوقت، تزداد قيمة هذه الأصول تدريجيًا، مما يجعلها وسيلة فعالة لبناء الثروة وتحصينها من التقلبات الاقتصادية. كما أن امتلاك أصول ملموسة يوفّر شعورًا بالأمان المالي، ويساعد على تنمية رأس المال بطريقة مستدامة دون التعرض لمخاطر عالية.
المبدأ السادس: خلق مصدر دخل ثابت
- الدخل الثابت يخفف من القلق حول المستقبل ويغطي النفقات المفاجئة، كما يضمن حياة كريمة في سن الشيخوخة حين لا يعود المرء قادراً على العمل بنفس الطاقة.
- وقد نصح أركاد بأن يُستثمر المال في مشاريع تحقق دخلًا ثابتًا، كأن يؤجر الشخص منزلاً مثلاً، ثم يستثمر أرباح هذا المشروع في فرص أخرى.
المبدأ السابع: تطوير المهارات
- حث أركاد على تعلم مهارات جديدة باستمرار، فكلما تطور الإنسان في مهنته، زادت فرصه في كسب المزيد.
- كما أن تعلم مهارات متعددة يفتح أبوابًا إضافية للدخل، ويمنح الأمان المالي في المستقبل.