ما الذي يجمع بين إيلون ماسك، بيل جيتس، ووارن بافت؟ إلى جانب كونهم من أثرى وأذكى رجال الأعمال في العالم، هناك عادة يومية واحدة يشتركون فيها تُعرف باسم "قاعدة الخمس ساعات". هذه القاعدة البسيطة لكنها فعّالة، أصبحت سرًا من أسرار النجاح والنمو المستمر، ليس فقط في العمل، بل في الحياة بشكل عام. في هذا المقال، سنتعرف على ماهية قاعدة الخمس ساعات، ومن أين جاءت، ولماذا يحرص أغلب الناجحين على تطبيقها، وكيف يمكن لأي شخص مهما كان مشغولًا أن يجعل منها أسلوبًا يوميًا يغيّر مجرى حياته.
القاعدة اليومية التي يعتمدها أغنى رجال الأعمال لتحقيق النجاح
يؤمن المستثمر الأمريكي الشهير وارن بافت بأن "أي شيء تستثمره في ذاتك سيعود عليك بأضعاف مضاعفة"، ويضيف أن الذات – على عكس الأصول المادية – لا يمكن فرض الضرائب عليها، ولا يمكن سرقتها. لهذا السبب، يعتبر الاستثمار في الذات أعظم استثمار يمكن للإنسان القيام به.
![]() |
ما سر قاعدة الخمس ساعات التي يعتمدها أنجح رجال الأعمال؟ |
الإجابة ببساطة تكمن في "قاعدة الخمس ساعات"، وهي قاعدة يتبعها أكثر الأشخاص نجاحًا في العالم، بمن فيهم إيلون ماسك وبيل جيتس وجاك ما، رغم انشغالهم الشديد.
ما هي قاعدة الخمس ساعات؟
تنص القاعدة على تخصيص ساعة واحدة يوميًا، ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، للتعلم أو تطوير الذات. يمكن استغلال هذه الساعة في:- القراءة: وهي عادة يشترك فيها أغلب القادة الناجحين.
- التأمل والتفكير: لمراجعة الأهداف والتعلم من الأخطاء.
- التجربة والممارسة: عبر تطبيق ما تم تعلمه في الواقع، سواء في العمل أو الحياة الشخصية.
صاغ "قاعدة الخمس ساعات" المؤسس المشارك لمنظمة "إمباكت" مايكل سيمينز، مستلهمًا فكرتها من ممارسات السياسي والدبلوماسي الأمريكي الراحل بنجامين فرانكلين، الذي كان يؤمن بأهمية التعلم المستمر وتطوير الذات. وقد أصبحت هذه القاعدة مع مرور الوقت المفتاح السري الذي يستخدمه أنجح وأغنى رجال العالم لفتح أبواب التميز والنجاح المستدام.
وتقوم القاعدة على مبدأ بسيط لكنه فعّال للغاية، وهو أن يخصص الشخص الناجح ساعة واحدة يوميًا، أي ما يعادل خمس ساعات أسبوعيًا، لتطبيق ثلاث ممارسات رئيسية من شأنها أن ترفع من قدراته وتوسع مداركه، وتزيد من فرص تفوقه المهني والشخصي.
أول هذه الممارسات: القراءة
تُعد القراءة حجر الزاوية في بناء المعرفة وتوسيع الأفق. فقد أظهرت دراسة أعدها الباحث توماس كيرلي، مؤلف كتاب عادات الأثرياء، والتي شملت أكثر من 200 مليونير عصامي، أن 86% من هؤلاء الناجحين لا يشاهدون التلفاز بانتظام، بل يستبدلون هذه العادة بممارسة القراءة بهدف التعلم واكتساب الخبرات.
فعلى سبيل المثال، الملياردير الأمريكي إيلون ماسك لم يدرس هندسة الطيران أو تصميم الصواريخ بشكل أكاديمي، بل استمد معرفته العميقة في هذا المجال من قراءته المكثفة للكتب، وهو ما قاده لاحقًا إلى تأسيس شركته الرائدة سبيس إكس، التي أصبحت إحدى أكبر الشركات في مجال صناعة الصواريخ والنقل الفضائي.
- كذلك، نجد أن المستثمر الأسطوري وارن بافت، يعتبر القراءة أحد أهم أسرار نجاحه واستمراريته في عالم الاستثمار. إذ يحرص على قراءة ما لا يقل عن 500 صفحة يوميًا، تشمل تقارير الشركات، التحليلات المالية، والكتب المتخصصة، مما يُمكنه من مواكبة أحدث التطورات في الأسواق المالية، وتحليل الاتجاهات، واتخاذ قرارات استثمارية دقيقة وناجحة.
- ولا تقتصر القراءة على المجال المهني فقط، بل تمتد لتشمل مجالات متنوعة مثل علم النفس، الإدارة، الفلسفة، والعلوم، إذ يرى الناجحون أن تنوع مصادر المعرفة يغذي العقل، ويُعزز القدرة على الإبداع والتفكير النقدي.
ثانيا: التأمل واتلفكير
أما بالنسبة للجزء الثاني من قاعدة الخمس ساعات، فهو "التأمل"، والذي يُعد من أقوى الأدوات الذهنية التي يمكن أن يستخدمها الإنسان لتعزيز قدراته الفكرية والنفسية. فقد أثبتت الأبحاث أن التأمل لا يقتصر فقط على تهدئة النفس، بل يلعب دورًا جوهريًا في تحسين عملية التعلم وزيادة التركيز والإبداع.
ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة تكساس عام 2014، تبين أن الأشخاص الذين يخصصون وقتًا للتأمل بعد التعلم، يكونون أكثر قدرة على استيعاب المعلومات واستدعائها لاحقًا، مقارنةً بمن لا يفعلون ذلك. إذ يعمل التأمل على تنشيط مراكز الإدراك في الدماغ، وتقوية الروابط العصبية المرتبطة بالذاكرة والفهم.
ولا يُعتبر التأمل مجرد نشاط نظري، بل هو عادة راسخة لدى العديد من أنجح رجال الأعمال حول العالم. فمثلًا، الملياردير الأمريكي راي داليو – مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم بريج ووتر أسوشيتس (Bridgewater Associates) – صرّح في مقابلة أُجريت معه عام 2021 بأن الفضل في مسيرته المالية الناجحة يعود إلى ممارسته اليومية للتأمل، والتي بدأها منذ عام 1969.
- وقد أوضح داليو أنه يمارس التأمل لمدة 40 دقيقة يوميًا، وأن هذه العادة ساعدته على التحكم في التوتر، واتخاذ قرارات مدروسة، وتوسيع نظرته للأمور، وتطوير حدسه الاستثماري.
- كما أكد أن التأمل منحه هدوءًا داخليًا جعله أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة العملية، وخاصة في أوقات الأزمات المالية.
- ويُعد داليو مثالًا حيًّا على أن التأمل ليس ترفًا، بل هو أداة فعّالة في تطوير الذات وتحقيق النجاح طويل الأمد، وهو ما يجعل هذا الركن من قاعدة الخمس ساعات لا يقل أهمية عن القراءة أو التعلم العملي.
ثالثا: التجربة: الطريق لاكتشاف الحلول وتحقيق الابتكار
ويتضمن الجزء الثالث من قاعدة الخمس ساعات عنصرًا لا يقل أهمية عن القراءة والتأمل، وهو "التجربة". إذ تُعد التجربة من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الأشخاص الناجحون لتطوير أفكارهم، واختبار ما يصلح منها، والتعلّم من الأخطاء قبل الوصول إلى أفضل الأساليب وأكثرها فاعلية.
- فمن خلال التجربة، يتمكن الفرد من تحويل المعرفة النظرية إلى مهارات عملية، ويكتشف بنفسه ما يناسبه، وما يجب عليه تجنبه، وما يمكن تطويره. ولنا في التاريخ أمثلة حيّة لأشخاص غيّروا العالم فقط لأنهم لم يتوقفوا عن التجربة.
- فعلى سبيل المثال، بنجامين فرانكلين وتوماس إديسون أصبحا من أعظم المفكرين والمخترعين في التاريخ، ليس فقط بسبب عبقريتهما، بل لأنهما كانا يُجريان تجارب باستمرار، ويعتبران الفشل خطوة في طريق النجاح.
- فقد جرّب إديسون مئات الطرق الفاشلة قبل أن يُخترع المصباح الكهربائي، وكان يؤمن أن كل تجربة فاشلة تقرّبه من الحل الصحيح.
أما في العصر الحديث، فهناك شركات عملاقة تبنّت مبدأ التجربة كجزء أساسي من ثقافتها، مثل شركة جوجل، التي أعلنت أن خدمة البريد الإلكتروني الشهير "جيميل" لم تكن وليدة خطة عمل تقليدية، بل جاءت نتيجة تشجيع الموظفين على تجربة أفكار جديدة خارج نطاق المهام الروتينية. وهذا ما خلق بيئة خصبة للابتكار.
كما أشار بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، في مقابلة أُجريت معه عام 2008، إلى أن سر نجاح شركته كان في اعتماد مبدأ التجربة الدائمة، حيث كانت الفرق التقنية تختبر أساليب مختلفة في البرمجة والإدارة والتسويق، وتستخلص العِبر مما ينجح ومما يفشل، مما مكن الشركة من الاستمرار في الريادة لعقود.
في النهاية، تُظهر التجربة أنها ليست مجرّد وسيلة للاختبار، بل هي المحرك الحقيقي للإبداع، وأداة لا غنى عنها لتحقيق التطور المستمر، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
ليس عذرًا… الوقت دائمًا موجود!
وأخيرًا، قد يتساءل البعض: "كيف أجد الوقت لتطبيق قاعدة الخمس ساعات، وأنا بالكاد أستطيع إنهاء مهامي اليومية؟". هذا التساؤل شائع، لكن الحقيقة أن الوقت موجود دائمًا، والمسألة تتعلق بكيفية استغلاله لا أكثر. فبدلاً من القول "لا أملك وقتًا"، يمكن لأي شخص أن يسأل نفسه بكل صراحة: "كم ساعة أقضيها يوميًا في مشاهدة التلفاز؟ كم من الوقت أضيعه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي دون هدف واضح؟"
- غالبًا ستكون الإجابة صادمة، لأن الكثير من الناس يقضون ساعات طويلة يوميًا في أنشطة لا تُضيف لهم شيئًا يُذكر. وهنا يكمن الفرق بين الأشخاص العاديين والناجحين: فبينما يهدر البعض أوقاتهم في التسلية، يستغل الناجحون كل دقيقة للتعلم، والتأمل، والتجربة، وتطوير الذات.
- ليس المطلوب أن تعتزل الحياة، أو تتخلى عن الراحة والترفيه، بل أن تُعيد توزيع وقتك بذكاء. يكفي أن تخصص ساعة واحدة فقط يوميًا – وهي نفس الساعة التي قد تُمضيها في متابعة مسلسل أو تصفح هاتفك – لتضع نفسك على طريق النجاح المستمر، كما يفعل إيلون ماسك، وبيل جيتس، ووارن بافت، وراي داليو وغيرهم من العظماء.
- تذكّر دائمًا أن النجاح لا يأتي بالصدفة، بل هو نتاج قرارات صغيرة تُتخذ يوميًا، تبدأ من طريقة استخدامك للساعة القادمة من يومك.